علاج الأورام الليفية
الأورام الليفية هي أورام غير سرطانية تَنمو حَول الرحم. لا تَظهَر أعراضها لدى العديد من النساء ولا تحتاج أي تَدَخّل طبي. غالباً ما تَتَقَلّص الأورام الليفية أثناء فترة سن الأمل عندما تَخفّ الأعراض أو تختفي تماماً، لكن بالنسبة لـ 30-40% من النساء اللاتي تَظهر لديهنّ أعراض خلال سنوات الإنجاب فيُعَدّ تنفيذ خطة علاج مناسبة أمراً ضرورياً.
تُعتَبَر الدورة الشهرية المُؤلمة والغزيرة أحد أكثر الأعراض شيوعاً. حيث إنّ الحدّ من أيّ نزيف حادّ أمر مهم ليس فقط لأنّه يُؤثّر سلباً على طبيعة حياة المرأة، ولكن أيضاً لأنّ الفقدان المُفرِط للدم يمكن أن يُسبّب مشاكل طبية أخرى مثل فقر الدم.
عادةً ما يتمّ تخصيص العلاج للمريضة حسب الأعراض المُحدّدة الظاهرة لديها، وتُعَدّ الأدوية والإجراءات الجراحية وغير الجراحية الخيارات الرئيسة لذلك.
الأدوية
إنَّ الأعراض الأكثر شيوعاً للأورام الليفية هي الدورة الشهرية الغزيرة وألم الحوض، وفي حين أنّ السبب في ذلك لا يزال مجهولاً لدى معظم النساء، إلّا أنّه يبدو أنّ هرمون الاستروجين يلعب دوراً مُسَبّباً. والدليل على ذلك أنّ الأعراض تَظهَر عادةً لأول مرة عند الأنثى خلال سنوات الإنجاب أي عندما تكون مستويات هرمون الاستروجين مُرتَفِعة، وتختفي خلال سن الأمل عندما تَنخَفِض مستويات هرمون الاستروجين بشكل طبيعي. نتيجة لهذا الارتباط، غالباً ما تكون موانع الحمل الهرمونية واحدة من خيارات العلاج الأولى لتدبير النزيف الغزير وألم الدورة الشهرية المرافق للأورام الليفية. تُستَخدم حبوب منع الحمل الفموية المركبة وحبوب منع الحمل الحاوية على بروجستين فقط بشكل شائع أيضاً. حيث تترافق حبة البروجستين بعدد أقل من الآثار الجانبية الضارة. تحتوى حبوب الحمل المُركّبة على نُسَخ صناعية مطابقة لهرموني الاستروجين والبروجستيرون (استراديال وبروجستين) تَمنَع الإباضة وتجعل الدورة الشهرية أخف وأقل ألماً. يَمنَع البروجيستوجين الصناعي نمو أنسجة بطانة الرحم مما يجعل الدورة الشهرية أخف أيضاً ويُقَلّل من الالتهاب والألم في المنطقة. كما يمكن إعطاء البروجستين (البروجستيرون الصناعي) كحُقَن أو عن طريق نظام ليفونورجستريل داخل الرحم (المعروف أيضاً باسم لفافة ميرنا). يَمنَع الإطلاق المُستَمر للبروجستين من لفافة ميرنا بطانةَ الرحم من أن يزداد ثخنها بشكل زائد فيجعل الدورة الشهرية أقلّ غزارة, وفي بعض الأحيان يوقفها تماماً.لا تناسب هذه العلاجات من يقمن بعلاج العقم.
يُعتَبَر العلاج بحمض الترانيكساميك خياراً آخر للحدّ من النزيف الشديد, فهو دواء مُضادّ انحلال الفبرين (يَمنَع فقدان الدم من خلال تعزيز تخثر الدم) يتم إعطاؤه أثناء الحيض ويُمكِن أن يُقَلّل من النزيف بنسبة 35-60%. يُفيد هذا العلاج النساء اللاتي يحاولن الإنجاب, وتتضمن آثاره الجانبية مشاكل في الهضم وغثيان. يجب عدم استخدام حمض الترانيكساميك عند وجود جلطات الدم في تاريخ العائلة و يجب التوقف عن استخدام هذا الدواء إذا لم تَتَحسّن الأعراض بعد 2-3 دورات شهرية.
تُخَفّف مُضادّات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) الألم وتَمنَع إنتاج البروستاجلاندينات التي تُؤدّي إلى تَقلّص الرحم أثناء الحيض وتساهم في ألم الدورة الشهرية. تكون هذه الأدوية أقلّ فاعلية في تقليل فقد الدم، ولكنها تُشكّل خط العلاج الأول للسيطرة على الألم المُرافق للأورام الليفية نظراً لتوافرها على نطاق واسع.
يَعمَل الهرمون المُطلِق لمُوَجّهة الغدد التناسلية (GnRHs) من خلال استهداف الغدة النخامية. تُعتَبَر الغدّة النخامية جزءاً من نظام التلقيم الراجع المعقد الذي يؤدّي إلى تركيب الهرمونات الجنسية الأنثوية الرئيسة (الاستروجين والبروجستيرون). يَثبط ارتباط الهرمون المطلِق لموجّهة الغدد التناسلية مع المستقبلات في الغدة النخامية من نموّ جُرَيبات المبيض ويُقَلّل من إفراز هرمون الاستروجين ويُسَبّب ضمور بطانة الرحم. وتكون النتيجة النهائية حدوث دورات شهرية أقلّ غزارة وتخفيف الألم وتَقلّص الورم الليفي. إنّ الجانب السلبي لهذا العلاج هو أنّه يُمكِن أن يُسبّب آثاراً جانبية تُشبِه تلك التي تظهر في سن الأمل كضمور المهبل والهبات الساخنة وهشاشة العظام. لذلك، غالباً ما يتم استخدام جرعة منخفضة من علاج بالهرمونات التعويضية (HRT) إلى جانبه. يوصَف الهرمون المُطلِق لموجّهة الغدد التناسلية عادة لفترة قصيرة من الزمن فقط بسبب الآثار الجانبية الضارة, وغالباً لتقليص حجم الورم الليفي قبل الجراحة.
تُعَدّ خلات أوليبريستال بديلاً لتقليل غزارة الدورة الشهرية وتَقليص حجم الأورام الليفية، على الرغم من استخدامها عادةً لعلاج الأعراض المُعتَدِلة-الشديدة فقط. تَعمَل على مستقبلات هرمون البروجسترون في الرحم وتَمنَع الإباضة دون التأثير على مستويات هرمون الاستروجين. ممّا يعني أنّ الآثار الجانبية المُرتَبِطة بانخفاض مستويات هرمون الاستروجين بما فيها الهبات الساخنة وهشاشة العظام لا تظهر, وبالتالي ليس من الضرروي مزامنة تناول هذا الدواء مع العلاج الهرموني. عند تناول جرعة 5 ملغ من خلات أوليبريستال، تمّت السيطرة على نزيف الرحم في أكثر من 90% من الحالات وانخفض حجم الورم الليفي بشكل ملحوظ. كما تُستَخدَم خلات أوليبريستال أيضاً كوسيلة مباشرة وسريعة لمنع الحمل، فعلى الرغم من أنّها تُعيق الإباضة إلّا أنّها لن تَمنَع الحمل إلّا إذا تمّ تناولها قبل ذلك. إنّ استخدام هذا الدواء لهذا الغرض قد يردع بعض الأشخاص عن استخدامه بسبب الدلالات السلبية المُرتَبِطة بالوسائل الطارئة لمنع الحمل. حالياً، توصَف خلات أوليبريستال لفترات زمنية قصيرة فقط وعادةً قبل التدخل الجراحي. إلّا أنّ الآثار الجانبية المحدودة لها وإمكانية استعادة الخصوبة عند الانتهاء من العلاج تُشير إلى أنّ هذا العلاج قد يكون يوماً ما أحد الخيارات المُستَخدَمة على نطاق واسع.
الجراحة
يتمّ تنفيذ ما بين 30 و50% من عمليات استئصال الرحم بسبب مشاكل مُرتَبِطة بالورم الليفي. لكن ظهور تقنيّات أحدث وأكثر تعقيداً خفض من حاجة النساء إلى اتباع هذا النهج الجراحي.
ينطوي استئصال الرحم على إزالة الرحم جراحياً, فهي الطريقة التي “تعالج” الأورام الليفية بشكل نهائي. إلّا أنّها ليست مناسبة للنساء اللاتي يوجد الأمل لديهن في إنجاب أطفال (لم يبلغن سن الأمل). إنّ النهج المُفضّل هو إزالة الرحم عن طريق المهبل بسبب قصر الوقت الازم لإجراء الجراحة وانخفاض كمية الدم المفقود؛ ولكن في الحالات التي تكون فيها الأورام الليفية كبيرة,ستتم الحاجة إلى إزالة الرحم عن طريق شقّ البطن. يمكن أن يَتسبّب استئصال الرحم انقطاع الطمث لدى المرأة مباشرة ومعاناتها من الآثار الجانبية المرتبطة بذلك كالهبات الساخنة وانخفاض الرغبة الجنسية والاكتئاب وهشاشة العظام. وبالتالي، قد توجد الحاجة للعلاج بالهرمونات التعويضية.
يُعتَبَر إجراء استئصال الورم العضلي خياراً جراحياً بديلاً لا يصيب المرأة بالعقم. تكون الطريقة المثلى هي إجراء جراحة ثقب المفتاح (تنظير البطن) لكن قد يتمّ إجراء “شقّ” أكبر في البطن إذا لزم الأمر. تُعَدّ هذه الطريقة مناسبة فقط لأنواع معينة من الأورام الليفية، مثل الأورام الليفية تحت المخاطية (مُتَوضّعة في الرحم) في الأصل. إنّ مُعدّل تكرار/عودة نمو هذه الأورام بعد هذا النوع من الجراحة هو 15-33%.
تتضمّن تقنيات التنظير الرحمي استئصال الأورام الليفية عبر المهبل بإدخال منظار الرحم (منظار رفيع) أولاً ثم قطع الأنسجة المصابة. توجد في هذه الطريقة أيضاً فرصة لعودة نمو الأورام الليفية لكن قد تكون هذه الطريقة مناسبة للنساء اللاتي يعانين من الأورام الليفية الأصغر حجماً واللاتي يرغبن في الحفاظ على خصوبتهن.
الإجراءات غير الجراحية
تشمل التقنيات غير الجراحية انصمام الشريان الرحمي. يتم في هذه الطريقة حَقن عوامل حاجبة في الشرايين الرحمية ومنع الدم من الوصول إلى الرحم والأورام الليفية. تكون فترة الشفاء أقل من العمليات الجراحية؛ إلّا أنّ البيانات حول تأثير هذه التقنية على الخصوبة المستقبلية غير أكيدة. ستحتاج 20-33% من المريضات إلى إجراء العمل الجراحي في غضون 5 سنوات.
كما يمكن إجراء استئصال لبطانة الرحم وإزالتها باستخدام الحرارة أو الليزر أو الموجات الإشعاعية أو الجراحة الكهربائية كإجراء غير جراحي آخر. لا يمكن إجراء هذه التقنية إلّا عندما يكون حجم الرحم طبيعي وقطر الأورام الليفية أقل من 3 سم. تكون مدة الشفاء أقل مقارنة بالتقنيات الجراحية التقليدية، إلّا أنّه يمكن أن تنمو بطانة الرحم مرة أخرى مع مرور الوقت، ولا يوصى بهذا الإجراء للنساء اللاتي يرغبن في إنجاب أطفال في المستقبل لأنّه يرفع من خطر حدوث الإجهاض في المستقبل.
أمّا الإجراء الثالث غير الجراحي فهو التحلّل العضلي الذي يُعتَبَر أسلوباً مُتَحفّظاً يتمّ بموجبه إتلاف الأورام الليفية وإمدادات الدم المُتَعلّقة بها بشكل مباشر بواسطة الحرارة أو الليزر أو الموجات فوق الصوتية أو العلاج بالتبريد. قد يُغَيّر هذا العلاج من سلامة بطانة الرحم بشكل دائم، لذلك، لا يُنصَح بالحمل في المستقبل. تُعدّ الجراحة بالموجات فوق الصوتية المُركّزة والمُوجّهة بالرنين المغناطيسي (MRgFUS) أحد الأساليب الحديثة والتي تكون أكثر فعالية وأقل غزواً مقارنةً بتقنيات التحلّل العضلي الأخرى. يتمّ استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لتوجيه طاقة الموجات فوق الصوتية التي تُتلِف الأورام الليفية. وعند مقارنة الجراحة بالموجات فوق الصوتية المُركّزة المُوجّهة بالرنين المغناطيسي باستئصال الرحم, كانت طبيعة الحياة مع هذه التقنية بعد ستة أشهر من العلاج مشابهة لكن مع مضاعفات أقل بكثير.
للأسف، لا يوجد علاج مثالي متاح حالياً. يُعتَبَر استئصال الرحم عموماً الأسلوب المُحتَمَل لإعطاء راحة دائمة؛ إلّا أنّه يُسبّب العقم بشكل دائم وأعراض سن الأمل غير أنَ استصال الرحم بحد ذاته عملية كبيرة. مع وجود العديد من العمليات الجراحية الأكثر تحفظاً، من الشائع أن تعود الأورام الليفية للتشكل مع مرور الوقت. علاوة على ذلك، فإنّ تلك الأدوية التي توقف تركيب هرمون الستيروئيدي, وإن كانت فعالة على المدى القصير. فهي محدودة الاستخدام بسبب آثارها الجانبية الواضحة.
من المُهمّ اتباع نهج دقيق ومدروس لعلاج الورم الليفي ويجب أن يكون التركيز على الحدّ من الأعراض مع مراعاة العمر ومستقبل الخصوبة عند المريضة.
تُعيد شركة نبتة بناء الرعاية الصحية للمرأة. نحن ندعم المرأة في رحلتها الصحية الشخصية من الصحة اليومية إلى التجارب الخاصة بها مثل الخصوبة والحمل وسن الأمل.
تواصلوا معنا في حال لديكم أي سؤال حول هذا المقال أو أي جانب من جوانب صحة المرأة. نحن هنا من أجلكم.
المصدر:
- De La Cruz, M S, and E M Buchanan. “Uterine Fibroids: Diagnosis and Treatment.” American Family Physician, vol. 95, no. 2, 15 Jan. 2017, pp. 100–107.
- Donnez, J, et al. “Ulipristal Acetate versus Placebo for Fibroid Treatment before Surgery.” New England Journal of Medicine, vol. 366, no. 5, 2 Feb. 2012, pp. 409–420., doi:10.1056/NEJMoa1103182.
- Singh, S S, and L Belland. “Contemporary Management of Uterine Fibroids: Focus on Emerging Medical Treatments.” Curent Medical Research and Opinion, vol. 31, no. 1, Jan. 2015, pp. 1–12., doi:10.1185/03007995.2014.982246.
- Sriprasert, I, et al. “Heavy Menstrual Bleeding Diagnosis and Medical Management.” Contraception and Reproductive Medicine, vol. 2, 24 July 2017, p. 20., doi:10.1186/s40834-017-0047-4.
- Stewart, E A. “Uterine Fibroids.” Lancet, vol. 357, no. 9252, 27 Jan. 2001, pp. 293–298., doi:10.1016/S0140-6736(00)03622-9.
- Stewart, E A, et al. “Uterine Fibroids.” Nature Reviews Disease Primers, vol. 2, no. 16043, 23 June 2016, doi:10.1038/nrdp.2016.43.
- “Fibroids: Treatment.” NHS, www.nhs.uk/conditions/fibroids/treatment/. Page last reviewed: 17/09/2018