هل يَرتَبِط الحمل بتَطَوّر سرطان عنق الرحم؟
تُعتَبَر مجلة لانسيت (Lancet) واحدة من المجلات الطبية الأكثر قراءة والتي تَحظى بتقدير كبير على نطاق واسع، ونتيجةً لذلك، فإنّ كل ما يتم نشره فيها يُعتَبَر عموماً ذا جودة عالية ويكون قوياً من الناحية العلمية. في عام 2002، نَشَرَت لانسيت (Lancet) نتائج دراسة تَبحَث في آثار عدد مرات الحمل (عدد المرات التي حملت فيها المرأة واستمر حملها خلال سنّ الحمل الطبيعي) على مُعدّلات الإصابة بسرطان عنق الرحم. كان ذلك تابعاً لِبَحث تم في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات أَشار إلى أنّ النساء اللاتي حملنَ عدة مرات هنّ أكثر عُرضة للإصابة بسرطان عنق الرحم.
كَشَفَت النتائج التي نُشِرَت في مجلة لانسيت أنّه بالنسبة للنساء المصابات بفيروس الورم الحليمي البشري كان هناك ارتباط مباشر بين عدد حالات الحمل الكامل وخطر الإصابة بسرطان عنق الرحم. وقد دعم هذا بحث سابق ذَكَر أنّ خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم أعلى بأكثر من ضعفين لدى النساء اللاتي لديهنّ أربعة أطفال أو أكثر، مقارنةً بأولئك اللاتي ليس لديهنّ أيّ أطفال أو طفل واحد فقط.
هناك بعض النقاط الرئيسة التي يجب ملاحظتها:
- النساء الأكثر عُرضة للخطر هنّ أولئك اللاتي يُعانين من فيروس الورم الحليمي البشري المزمن. يبدو أنّ ارتفاع عدد مرات الحمل يكون بمثابة عامل مساعد في التفاعل مع فيروس الورم الحليمي البشري للحثّ على سرطان عنق الرحم. يَكون الخطر النسبي أقلّ بكثير لدى النساء غير المصابات بفيروس الورم الحليمي البشري.
- لا يوجد دليل على أنّ ارتفاع عدد مرات الحمل يزيد من خطر الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري.
- يلاحظ هذا الارتباط فقط في حالات الحمل المُصَنّفة على أنّها استمرّت لفترة كاملة. لذلك، من المُحتَمَل أن تَحدُث الأحداث التي تُسَبّب تَطَوّر السرطان خلال الثلث الثاني أو الثالث من الحمل، أو حتى أثناء الولادة. لقد تمّ اقتراح أنّ النساء اللواتي يَلِدنَ عن طريق المهبل مُعَرّضات لخطر أعلى قليلاً من النساء اللاتي يَخضَعنَ لعملية قيصرية، إلّا أنّ هذه البيانات مَحدودة وتحتاج النظرية إلى مزيد من التحقّق من الصحة.
- إضافة إلى ما سبق، يوجد عوامل أخرى قد تُسبّب إرباكاً أو تَزيد التأثير؛ على سبيل المثال، تم اقتراح أنّ استخدام موانع الحمل الفموية لمدة طويلة قد يكون له تأثير مُضاعف، فيزيد من الخطر عند النساء ذوات الولادات المُتَكرّرة.
لم تُحدّد جميع الدراسات وجود صلة إيجابية؛ إذ لا يَجِد البعض ارتباطاً مهماً والبعض الآخر يَجِد ارتباطاً بين عدد مرات الحمل المرتفع وأنواع معينة من سرطان عنق الرحم. تَفشَل بعض الدراسات في اعتبار ما إذا كانت الأنثى قد خَضَعَت لفحص مسحة عنق الرحم، أو كم عدد الشركاء السابقين لها. حيث أنّ أكبر عامل خطر لتطوّر فيروس الورم الحليمي البشري هو وجود شركاء جنسيين مُتَعدّدين. تبدو هذه البيانات دقيقة، على الرغم من أنّ القيم المُبلّغ عنها من المُحتَمَل أن تكون أقل من التقدير، بسبب عدم رغبة النساء في الكشف عن هذا النوع من المعلومات.
الآلية البيولوجية
هناك آليات مَنطقية لمشاركة الحمل في تَحَوّل خلايا عنق الرحم الطبيعية إلى خلايا سرطانية. يُعَدّ ارتفاع خطر الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري مُساهِماً في جميع حالات سرطان عنق الرحم تقريباً. إلّا أنّه لا تَتَطوّر إصابة كل النساء المصابات بفيروس الورم الحليمي البشري إلى سرطان. يُعتَقَد أنّ المستويات العالية من الاستروجين والبروجستيرون الموجودة طوال فترة الحمل والمرتفعة بشكل خاص في الأسابيع القليلة الأخيرة، تُسَبّب تَحَوّلات خلوية على سطح عنق الرحم تَستَمر لسنوات عديدة. هذا يُمكِن أن يُسَبّب تعرّض منطقة التحول في عنق الرحم لفيروس الورم الحليمي البشري لفترة طويلة ويزيد احتمال الإصابة المزمنة به وتَطوّرها إلى سرطان. هناك اعتبار آخر هو أنّ تثبيط المناعة الذي يُعتبر جزءاً طبيعياً من الحمل، يُمكِن أن يُعَزّز دور فيروس الورم الحليمي البشري في سرطان عنق الرحم.
إحدى النظريات المهمة التي اقترحها مؤلّفو دراسة لانسيت المذكورة أعلاه، هي أنّ أحجام الأسر الصغيرة قد تُفَسّر جُزئياً سَبَب حدوث انخفاض عالمي في مُعَدّل الإصابة بسرطان عنق الرحم والوفاة بسببه. يُعزى هذا التراجع بشكل أساسي إلى زيادة الوعي بفحص مسحة عنق الرحم بالإضافة إلى ظهور لقاح فيروس الورم الحليمي البشري الفعال للغاية؛ إلّا أنّه في البلدان التي تكون فيها مُعدّلات الفحص منخفضة ولم يتم تقديم اللقاح بعد، قد يُقَدّم انخفاض مُعدّلات عدد مرات الحمل تفسيراً لذلك.
تُعيد شركة نبتة بناء الرعاية الصحية للمرأة. نحن ندعم المرأة في رحلتها الصحية الشخصية من الصحة اليومية إلى التجارب الخاصة بها مثل الخصوبة والحمل وسن الأمل.
تواصلوا معنا في حال لديكم أي سؤال حول هذا المقال أو أي جانب من جوانب صحة المرأة. نحن هنا من أجلكم.
المصدر:
- Brinton, Louise A., et al. “Parity As A Risk Factor For Cervical Cancer.” American Journal of Epidemiology, vol. 130, no. 3, Sept. 1989, pp. 486–496., doi:10.1093/oxfordjournals.aje.a115362.
- Jensen, K E, et al. “Parity as a Cofactor for High-Grade Cervical Disease among Women with Persistent Human Papillomavirus Infection: a 13-Year Follow-Up.” British Journal of Cancer, vol. 108, no. 1, 15 Jan. 2013, pp. 234–239., doi:10.1038/bjc.2012.513.
- Kasamatsu, Elena, et al. “Factors Associated with High-Risk Human Papillomavirus Infection and High-Grade Cervical Neoplasia: A Population-Based Study in Paraguay.” Plos One, vol. 14, no. 6, 27 June 2019, doi:10.1371/journal.pone.0218016.
- Muñoz, Nubia, et al. “Role of Parity and Human Papillomavirus in Cervical Cancer: the IARC Multicentric Case-Control Study.” The Lancet, vol. 359, no. 9312, 30 Mar. 2002, pp. 1093–1101., doi:10.1016/s0140-6736(02)08151-5.
- Roura, Esther, et al. “The Influence of Hormonal Factors on the Risk of Developing Cervical Cancer and Pre-Cancer: Results from the EPIC Cohort.” Plos One, vol. 11, no. 1, 25 Jan. 2016, doi:10.1371/journal.pone.0147029.
- Russo, Evandro, et al. “Vaginal Delivery and Low Immunity Are Strongly Associated With High-Grade Cervical Intraepithelial Neoplasia in a High-Risk Population.” Journal of Lower Genital Tract Disease, vol. 15, no. 3, July 2011, pp. 195–199., doi:10.1097/lgt.0b013e31820918ea.
- Trottier, Helen, et al. “Risk of Human Papillomavirus (HPV) Infection and Cervical Neoplasia after Pregnancy.” BMC Pregnancy and Childbirth, vol. 15, no. 1, 7 Oct. 2015, doi:10.1186/s12884-015-0675-0.